السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

مرحبا في عالمي الاسلامي

كل ما يتعلق بالاسلام

علامات الساعة الكبرى

علامات الساعة الكبرى ونزول عيسى بن مريم عليه السلام

 

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون َ[آل عمران:102]

   يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَ لُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا ً[النساء:1]  

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً   يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً[الأحزاب:70-71]

أما بعد

فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار .

أحبتي في الله :

في رحاب الدار الآخرة

 

هذا هو لقاءنا الخامس مع السلسة الكريمة ولا زلنا مع حديث حذيفة بن أسيد الغفاري:

 

اطلع علينا النبي  ونحن نتذاكر فقال النبي : ((ما تذاكرون؟)) فقالوا: نذكر الساعة فقال: ((إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر، الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم))(1]).

 

وها نحن الآن على موعد مع إحدى هذه العلامات الكبرى ألا وهي نزول عيسى عليه السلام.

 أيها الحبيب الكريم: أعرني قلبك وسمعك وعقلك فإن الموضوع من الأهمية بمكان، وحتى لا ينسحب بساط الوقت سريعا من بين أيدينا فسوف أركز الموضوع في العناصر التالية:

 أولاً: عيسى بن مريم والميلاد المعجز.

 ثانياً: بل رفعه اللـه إليه.

 ثالثاً: نزول عيسى من السماء إلى الأرض.

 

أسأل اللـه تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

 أولاً: عيسى بن مريم والميلاد المعجز

 أخي في اللـه لن أجد لك بداية أرحب ولا أجمل أبدأ بها حديثي معك الآن أجل من هذه الكلمات الجميلة في قوله تعالى:إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ  [ آل عمران:35 -37 ].

 

وقبل أن نتجول سويا في بستان هذه الكلمات الرقيقة الرقراقة أقول لك إنه لأول مرة في تاريخ البشرية الطويل منذ أن خلق اللـه آدم من تراب ينسب نبي لأُمِه.

 

مريم هي الأنثى الوحيدة في الوجود كله التي اختصها اللـه من بين النساء قاطبةً ليودعها سره الأكبر في أصفى حمل وأعجز ميلاد، فمريم هي الفتاة العذراء النقية التقية التي اصطفاها اللـه جل في علاه من بين نساء العالمين فنفخ فيها من روحه ومنحها هذه المكانة الرقيقة الرقراقة من بين أمهات الدنيا جمعاء.

 فأمها حنة بنت فاقود وصلت إلى سن اليأس، فتمنت على اللـه أن يرزقها الولد، واللـه على كل شىء قدير فاستجاب اللـه دعاءها وابتهالها إليه، فتحرك الحمل في أحشائها بقدرة من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السموات بقدرة من يقول للشيء كن فيكون. فلما تحرك الحمل في أحشائها أحبت أن تشكر اللـه على هذه النعمة فقالت:  رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم .

 نَذَرَتْ ما في بطنها لله جل وعلا  “أي لخدمة بيت المقدس”، جزاء على ما رزقها هذه النعمة. بعد ما وصلت لهذه السن..  وبعد مرور أشهر الحمل وضعت بنتا جميلة رقيقة طيبة، فنظرت إليها بحزن وقالت  رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ .

 

فقالت حنة: رباه إني وضعتها أنثى وأنت أعلم مني بما وضعت أي: أنت الذي رزقتني وقدرت لي ذلك، فليس الذكر كالأنثى في القوة والجلد وخدمة الأقصى وإني يا رب أعيذها بك من شر الشيطان وذريتها – وهو ولدها عيسى بن مريم فاستجاب اللـه لها.

 قال رسول اللـه : ((ما من مولود يولد، إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه))([2]).

  فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا  أي إنه تقبل نذر أمها حنة وجعل شكلها مليحاً وأعطى لها منظراً بهيجاً ويسر لها أسباب القبـول وقرنهـا بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين فلهذا قال:  وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا  وما ذلك إلا لأنها كانت يتيمة ويقال أنها كانت سَنَةَ جَدْبٍ فكفلها زوج خالتها لكي تكون تحت رعاية خالتها وحنانها ولا منافاة بين القولين، وقيل أنه زوج أختها وقد ذكر القرآن  لنا أيضا  وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [ آل عمران: 44 ].

 أي ما كنت معهم يا محمد لتخبرهم عن معاينة ما جرى، بل أطلعك اللـه عليه كأنك حاضر وشاهد لما كان من أمرهم لما اقترعوا في شأن مريم أيهم يكفل هذه الطاهرة التقية الورعة ليكن له الأجر، فحين خرجت بها حنة إلى بني الكاهن بن هارون أخى موسى عليهما السلام. وقالت هي نذيرة،  ولا يدخل المسجد حائض، ولكني نذرتها، وأنا لا أردها إلى بيتي. فقال زكريا: ادفعوها لي فخالتها تحتي، فقالوا: بذلك تطيب أنفسنا لأنها ابنة إمامنا. وقالوا: نقترع وبالفعل اقترعوا ،فما هي القرعة؟!

 أن يرموا الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة في نهر الأردن وقالوا أي قلم يثبت ولا يجري مع التيار بل يعاكسه هو كافلها وبالفعل حدث ووقع ذلك على قلم واحد ،… ترى من صاحب هذا القلم؟!

 إنه زكريا عليه السلام…  وذلك لحكمة يعلمها اللـه…  ويعلمها لنا ألا وهي لتتعلم مريم وتقتبس من النبي الزكي زكريا عليه السلام العلم والفقه وكان إمامهم وكبيرهم وسيدهم وعالمهم ونبيهم حين ذاك.

 قال تعالى:   كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا

 تعجب زكريا من هذا الطهر والزهد والعفاف والتوحيد الذي وصلت به مريم البتول إلى مكانة عالية عند اللـه عز وجل فكلما دخل عليها وجد عندها رزقا

 ثم قال لها زكريا عليه السلام:  يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا  أي من أين لك هذا الرزق؟!

 قالت البتول الطاهرة:  هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ  أي ذلك لا دخل للمخلوق فيه بل هو من الخالق، وهو يرزق من يريد بغير حدود تحده.

 

وهكذا أيها الأحبة الكرام

 اصطفى اللـه مريم في بستان الورع بين أزهار التقى والنقاء والعفاف والصلاح، هذه هي الزهرة والنبتة الطيبة، نشأت مريم في هذا المكان وهذا الجو الإيماني الطاهر العفيف فاصطفاها اللـه وبشرها بهذه البشارة التي انفردت بها دون نساء العالمين ويالها من بشارة يالها من خصوصية اختص اللـه بها الطاهرة..

 إيه يا مريم….  إيه بماذا اختصك ربك؟!

 يقول الملك:وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ   [آل عمران:42-43].

 يا لها من مكانة آثرك بها اللـه دون نساء الدنيا يا مريم!

  فلم تتوان مريم عن عبادة الرب فظلت البتول ساجدة وراكعة حتى أراد اللـه عز وجل أن يمنحها تلك المكانة الرفيعة من بين أمهات الدنيا

 قال تعالى:  وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا  [مريم:16-21].

 

وفي يوم من الأيام خلت مريم لنفسها لقضاء شأن من شئون العذراء الخاصة…  وفجأه انحبس صوتها وشخص بصرها ،إنها مفاجأة مذهلة تأخذ بالعقول بل وتصدع الأفئدة، بشر سوي في خلوة العذراء البتول الطاهرة. وسرعان ما استغاثت برب الأرض والسموات ولجأت إليه بشدة  وقالت:  أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا .

 انظر إلى الفطنة والذكاء والورع! لم تقل أعوذ بالجبار منك ولم تقل أعوذ بالغفار منك وإنما استجاشت الرحمة في قلبه بذكر الرحمن فقالت أعوذ بالرحمن منك، أي ارحم ضعفي! ارحم أنوثتي! ارحم خلوتي!!

 ولكن قدر اللـه لها مفاجأة أعظم. أن أنطق هذا البشر السوي في خلوة البتول الطاهرة ليقول لها: لا تخافي ولا تحزني فأنا رسول ربك إليك  لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا قالت:  أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا  لم أكنْ أبداً صاحبة فاحشة، فهي لم تتصور مطلقا وسيلة للإنجاب غير وسيلة التقاء الرجل بالمرأة وهي لم تتزوج بعد، ولم تفكر أيضا ألبته في الرذيلة، وهنا يأتي الرد القاطع الحاسم فيقول الملك والرسول الكريم  قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا

 فهنا يقول المولى  وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا ءَايَةً لِلْعَالَمِينَ  [ الأنبياء:91 ].

 

 فهنا حدث أمر غير مألوف ما اعتادت عليه الخليقة  فَنَفَخنَا فِيهَا مّن رُوحِنَا  لتنجب عيسى عليه السلام، أي نفخ الملك جبريل في أعلى القميص بأمر من اللـه عز وجل وهذا ليبين للخلق طلاقة قدرة الخالق، إنها قدرة لا تحدها حدود، إن من يحاول أن يصل بعقله القاصر إلى حدود قدرة اللـه كمن يحاول أن يكلف نملة أن تنقل جبلاً من مكان إلى آخر وما هي بناقلته   إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ يس:82 ].

 

فلا تفكر بعقلك القاصر البتة لتصل إلى منتهى قدرة الملك.

  إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ  [ آل عمران:59 ].

 فاللـه لا يعجزه شىء في الأرض ولا في السماوات، فمن الذي خلق السماء بغير عمد ترونها؟!.

 من الذي خلق الأرض وشق فيها الأنهار والبحار وزينها بالأشجار؟

 من الذي خلق سنبلةَ القمح وغلفها بهذه الأغلفة الحصينة المكينة؟

 وجعل فوق كل حبة شوكة؟؟ ولم جعلها هكذا؟!

 لأن اللـه قدر أن تكون هذه الحبة قوتاً لك أيها الإنسان دون الطيور أو غير ذلك !!

 من الذي خلق كوز الذرة ورصَّ على قولحته هذه الحبات اللؤلؤية البيضاء بهذا الجمال والإبداع؟!!

 

ومن الذي خلق الإنسان بهذا والجمال والإبداع؟!

 هو اللـه…. !!! هو اللـه… !!! هو اللـه…!!!

  هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر:22-23].

 قل للطبيب تخطفتـه يــد الردى        ياشافـي الأمـراض مـن أرداك ؟

 قل للمريض نجى وعوفي بعد مـا         عجــزت فنون الطب من عافاك؟

 قل للصحيح مات لا  من علـــة        من يـا صحيـح بالمنايـا دهاك ؟

 بل سل الأعمى خطاً وسط الزحـام        بـلا صدام من ياأعمى يقود خطاك؟

 بل سل البصير كان يحذر حفــرةً         فهوى بهـا مـن ذا  الذي أهواك ؟

 وسل الجنين يعيـش معزولاً  بـلا   راع ولا مـرعى من ذا الذي يرعاك ؟

 وســل  الوليد أجهش بالبكاء لدى    الولادة من الـــــذي  أبكاك ؟

 وإذا ترى الثعبـان ينفـــث سمه        فسله من  يا ثعبان بالسموم حشاك ؟

 واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا الســم يملأ فـــــاك ؟

 

واسأل بطـون النحل كيف تقاطرت        شهداً وقـــل للشهد من حلاك  ؟

 إنه اللـه..  إنه اللـه.

   قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا 

 

انتهى الأمر وقدره اللـه عز وجل.

   قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ

  هو الذي خلق الخلق..  خلق آدم يوم خلقه بلا أب أو أم!! وكذلك خلق عيسى من أم بلا أب!! ليكون للناس دليلا على طلاقة قدرة الخالق.

 

قال تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ  [التحريم:12].

 

ولقد ظهر الحمل..  والراجح من أقوال المفسرين أن الحمل بعيسى كان حملا عاديا تسعة أشهر وأنه لا ريب أن اللـه جلا وعلا كان قادراً ولا زال سبحانه على أن تحمل مريم بعيسى وتضعه في لحظة واحدة، ولكن أراد اللـه بها أن يختبر مدى صبرها ومدى تحملها على هذا الابتلاء العظيم التي لا تستطيع أن تقدر عليه إلا مريم ابنة عمران العذراء البتول، فهذا من تمام الابتلاء.

 

وبدأت بوادر الحمل تظهر على الطاهرة المطهرة، وهنا نظر يوسف النجار – ذلك الرجل الذي كان يخدم بيت المقدس – إلى بطن الطاهرة تعلو يوما بعد يوم ويتعجب ولكن كثيراً ما كان يدفع أي خالجة تمر بذهنه لعلمه بطهر البتول، ولكن ها هي جبلية البشرية قد غلبته، وما استطاع أن يكتم هذه الخوالج عن لبه فقال لها: يا مريم إني سائلك عن شيء ولكن لا تعجلي علي، فقالت الطاهرة العذراء: سل ما شئت يا يوسف وقل قولاً جميلاً. فقال لها يوسف: هل ينبت زرع بلا بذر؟! وهل ينبت شجر بلا غيث أو مطر؟! وهل يكون ولد بغير أب؟!!! فقالت مريم: نعم يا يوسف هو كذلك. قال: وكيف يكون ذلك يا مريم؟!! قالت: ألم تعلم أن اللـه أنبت الزرع يوم أنبته من غير بذر!! وأنبت الشجر يوم خلقه بغير غيث أو مطر، وخلق آدم يوم خلقه بغير أب أو أم!!قال يوسف:  أعلم أن اللـه على كل شيء قدير! اللـه أكبر..

 

قال اللـه تعالى:  فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا  وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَموتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّاُ  [مريم:22- 33].

 هكذا قال عيسى الذي ما زال في المهد لا حول له ولا قوة له إلا باللـه أنا عبد اللـه، وأعطاني الإنجيل وجعلني نبياً، وأمرني بالصلاة، والزكاة ما دامت بي حياة، ومحسناً إلى العذراء أمي، ولم يجعلني من الجبارين في الأرض ولا من الأشقياء.

 ويكمل لنا القرآن قصة عيسى عليه السلام ويقول:  ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ  [مريم:34 – 36].

 

تعالى اللـه عما قاله النصارى فالكمال صفة من صفاته! أيحق له أن يتخذ ولداً؟!

 ولِمَ يتخذ ولد وهو الغني عن خلقه ولن تغنى الخليقة عنه؟!!

  فاللـه هو الغني عن الولد والصاحب والزوج.

 

فيا عبـاد المسيـح لنـــا سؤال        نريد جــوابه ممن وعـــــاه

 إذا مات الإلهُ بصنــــــــع قــوم أماتوه فهل هـــذا إله ؟!

 ويــا عجــباً لقبـر ضم ربـاً        وأعجب منه بطن قـــد حــواه

 أقام هناك تسعــاً مــن شـهور        لدى الظلمات مـن حيــض غزاه

 وشق الفرج مـولوداً صغيـــراً        ضعيفــــاً فاتحاً للثـــدي فاه

 ويأكل  ثــم يشرب ثم يأتـــي         بلازم ذاك  هـــل هــذا إله ؟!

 تعالى اللـه عـن إفـك النصارى        سيســأل كـلهم عمـــا افتراه

 وصدق اللـه إذا يقول  قل هو اللـه أحد  يا من تشركون باللـه…  فاللـه لا ند له.. ولا كفء له..  ولا شبيه له..  ولا زوج له…  ولا ولد له ولا والد له  لَيسَ كَمثْلِه شَيءٌ وَهُو السَّمِيعُ البَصِير  [الشورى:11].

 الخطبة الثانية

 

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد : أيها الأحبة الكرام :

  أحبتي في اللـه: أرى أنه من الجمال أن أختم هذا العنصر بهذا الحوار المبارك الجميل الذي برىء به ربنا ساحة نبيه عيسى عليه السلام.

 قال اللـه تعالى:  وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ  إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:116 – 118].

 

ثانياً: بل رفعه اللـه إليه

 زعـم اليهـود عليهم لعائن اللـه المتتابعة أنهم قتلوا عيسى بن مريم وصلبوه، وزعم النصارى بجهل وغباء أن عيسى صلب وقتل ودفن وخرج من قبره بعد ثلاثة أيام وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الرب أبيه، وهو ينتظر إلى يوم الخلاص ليقضى بين الأحياء والأموات!!  كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا

 فبين اللـه الحق وكذب اليهود والنصارى فقال سبحانه وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء:157 – 159].

 

قال أهل التفسير: إن اللـه عز وجل لما أراد أن يرفع نبيه عيسى إلى السماء بعد ما انطلق اليهود لقتله ألقى اللـه شبه عيسى على يهوذا الأسخريوطي الخائن الذي أخذ اليهود ليدلهم على مكان عيسى فابتلاه اللـه فألقى عليه شبه عيسى فأخذه اليهود فقتلوه وصلبوه وهذا قول.

 

والقول الآخر: ثبت عن ابن عباس بسند صحيح كما روى ابن أبي حاتم والنسائي بسند صححه الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة النساء.

 

قال ابن عباس رضي اللـه عنهما: “لما أراد اللـه أن يرفع عيسى خرج إلى بيت فيه إثنى عشر رجلا من الحوارين فقال: نبي اللـه عيسى: إن منكم من سيكفر بي بعد أن آمن بي، ثم قال لهم: أيكم يقبل أن يلقى عليه شبهى ليقتل مكاني ليكون معي في درجتي في الجنة فقام شاب أحدثهم سناً (أصغر الجالسين) فقال له: أنا، فقال: اجلس، فجلس، ثم أعاد عيسى القول مرة ثانية فقام نفس الشاب فقال له: اجلس فجلس، ثم أعاد عيسى قوله للمرة الثالثة فقام نفس الشاب فقال عيسى هو أنت فألقى اللـه على هذا الشاب شبه عيسى ورفع اللـه عيسى إلى السماء“.

 

وجاء الطلب من اليهود أي الذين يطلبون عيسى لقتله فأخذوا هذا الشاب فقتلوه فصلبوه فكفر بعض أتباع عيسى ممن آمنوا به كما ذكر لهم قبل قليل

 ثم ينزل اللـه عز وجل عيسى بعد ذلك لحكم عديدة خذوا منها:

 أن اللـه تبارك وتعالى سينزل عيسى عليه السلام ليكذب اليهود الذين زعموا أنهم قتلوه، وليكذب النصارى الذين جهلوا هذه الحقيقة، وليبين للناس جميعا أن محمدا  وأن الموحدين معه من أمته أولى الناس بعيسى عليه السلام لأنه سيحكم العالم كله بكتاب اللـه وبشريعة محمد رسول اللـه .

 سينزل عيسى ليموت في الأرض فما قولك إذاً في قول اللـه تعالى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ   [آل عمران: 55].

 والجواب كما قال جمهور المفسرين :

 أن الوفاة في الآية معناها الوفاة الصغرى وهي النوم كما في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ [الأنعام:60].

 وكما في قوله:  اللَّـهُ يَتَوفَّىالأنْفسَ حِينَ مَوتِهَا [الزمر:42].

 أي في منامها كما في قول المصطفى  إذا استيقظ من منامه: ((الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور))([1]).

 

 إنى متوفيك  أى ألقى اللـه عليه سِنَةً من النوم، وهذه هي الوفاة الصغرى باتفاق ثم رفعه اللـه عز وجل ثم ينزله اللـه تبارك وتعالى في الوقت الذي يشاء.

 ثالثاً: نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض من السماء.

 بين اللـه جل وعلا أنه رفع عيسى إليه إلى يوم الوقت المعلوم الذي سينزل فيه إلى الأرض مرة أخرى ليكون علامة كبرى من العلامات الدالة على قيام الساعة فقال في قرآنه:  وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرض يَخْلُفُونَ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ  [الزخرف: 57-61].

 انتبه جيدا ففي قراءة ابن عباس ومجاهد  وإنه لعلم للساعة  أي نزول عيسى أمارة وعلامة على قيام الساعة بل وروى ابن جرير بسند صحيح أن ابن عباس رضي اللـه عنهما قال:  وَإِنَّهُ لَعلمُ لِلسَاعَةِ  أى خروج عيسى عليه السلام، فإن نزل فهذه علامة كبرى تدل على قرب قيام الساعة، وقال اللـه تعالى في الآية التي ذكرت آنفا  وَإِنَّ مِّن أَهلِ الكِتَابِ إِلا لَيُؤمِنَنَّ بِهِ قَبلَ مَوتِهِ  أى قبل موت عيسى عليه السلام.

 وقد بينت السنة الصحيحة المتواترة نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض من السماء.

 ففى الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي قال: ((والـذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم عيسى بن مريم حكمـاً مقسـطاً فيكسـر الصليـب ويقتل الـخنزيـر ويضع الـجزيـة ويفيـض المال  حتى لا يقبله أحد))([2]).

 وانظر ماذا قال الحبيب  في الحديث الذي رواه أبو داود في سننه بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي اللـه عنه قال رسول اللـه عليه وسلم: ((ليس نبى بينى وبين عيسى بن مريم وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، إنه رجل مربوع ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بالسمين ولا بالنحيف  مائل إلى الحمرة والبياض كأن رأسه يقطر ماء من غير بلل))([3]).

 وفى رواية النواس بن سمعان في صحيح مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة أنه  قال: ((ينزل عيسى عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين)) في الرواية الأولى التي ذكرت آنفا ((بين ممصرتين)) أي ثوبين مصبوغين بصفرة خفيفة يسيرة ((واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفع رأسه تحدر منه جمان كحبات اللؤلؤ)). يتوجه نبى اللـه عيسى من دمشق إلى بيت المقدس وقد أقيمت الصلاة فإذا رأى الإمام الفطن الذكى اللبق نبى اللـه عيسى عرفه وتقهقر للخلف ليتقدم نبى اللـه عيسى فيقول له نبى اللـه: لك أقيمت فإن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللـه لهذه الأمة فيصلى نبى اللـه عيسى خلف إمام المسلمين فإذا انتهوا من الصلاة انطلق نبى اللـه عيسى إلى باب بيت المقدس وأمرهم أن يفتحوا الباب فإذا فتحوا الباب رأوا الدجال خلف الباب ومعه سبعون ألف من اليهود بالسيوف فإذا نظر الدجال إلى نبى اللـه عيسى ذاب كما يذوب الملح في الماء فيريد الدجال أن يهرب فيتبعه نبى اللـه عيسى ويدركه عند باب لد مدينة معروفة الآن بفلسطين فيقتله، ويريح الناس من شره.

 قال المصطفى   قولاً عجيباً كما في مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان وصحح السند الحافظ ابن حجر من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه وفيه أن رسول اللـه قال: ((فيهلك في زمان عيسى الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك اللـه المسيح الدجال، وتنزل الأمنة في الأرض حتى ترعى الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم))([4]).

 استحلفك باللـه أن تنظر لبداية الحديث يقول الرسول تهلك كل الملل إلا الإسلام

 سبحان اللـه..!! واللـه أكبر!!

 أبشر أيها الموحد..  أبشر يا من تحب ” لا إله إلا اللـه “.

 نعم واللـه ستهلـك كـل الأديـان إلا الإسـلام إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الإسْلام  [آل عمران:19].

 وانظر مرة أخرى ومحص النظر.

 ترعى الأسود مع الإبل…!! والنمار مع البقر…!!

 والذئاب مع الغنم…!!

 وفي رواية أبي أمامة وسندها صحيح قال المصطفى  : ((فيكون الذئب مع الغنم كأنه كلبها ويمر الوليد على الأسد فلا يضره وتمر الوليدة على الحية فلا تضرها، رفع الظلم واستقر الأمن والأمان والرخاء وزادت البركة حتى تنزل الأمنة في الأرض))

 بل في رواية النواس بن سمعان قال : ((فيقال للأرض أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل (اللبن) حتى أن اللقحة (الوليدة التي وضعت ولدها) من الإبل لتكفي الفئام من الناس (الجماعة) واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفَخِذَ من الناس…. ))([5]) سبحان اللـه..!!

 وهكذا تعيش الأرض حالة لا نسيج لها في التاريخ كله، حتى قال المصطفى في الحديث الذي رواه الديلمي والضياء المقدسي وصححه في الصحيحة الألباني من حديث أبي هريرة أن الحبيب النبي  قال: ((طوبى لعيش بعد المسيح، طوبى لعيش بعد المسيح، يؤذن  للسماء في القطر ويؤذن للأرض في النبات حتى إذا بذرت حبك على الصفا لنبت ولا تشاحن ولا تحاسد، ولا تباغض، حتى يمر الرجل على الأسد ولا يضره ويطأ على الحية فلا تضره، ولا تشاح ولا تحاسد ولا تباغض))([6]).

 

  الدعـــاء

علامات الساعة الصغرى

العلامات الصغرى

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.. أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله به الغمة ، جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلى اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين…

أما بعـد:-

فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.
طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا.
حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته.  
إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير..

أما بعـد:-

فإن أصدق الحديث كتاب الله ،وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

 أحبتى في اللـه  :

 فى رحاب الدار الآخرة

 سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي، تبدأ بالموت وتنتهي بالجنة أسأل اللـه أن يجعلني وإياكم من أهلها.

وهذا هو لقاءنا الثالث من لقاءات هذه السلسلة المباركة، وكنا قد أنهينا الحديث في اللقاء الأول وتوقفنا مع الجنازة وهى في طريقها إلى القبر تتكلم، ثم توقفنا في اللقاء الماضي مع الجنازة وقد أغلق عليها القبر، ليعيش صاحبها في نعيم مقيم، أو في عذاب أليم إلى قيام الساعة، وكان من الحكمة والمنطق قبل أن أتكلم عن مراحل الساعة أن أتحدث عن علامات الساعة الصغرى والكبرى، ولذا فإن حديثنا اليوم مع حضراتكم عن العلامات الصغرى بين يدى الساعة.

 وكعادتنا سوف ينتظم حديثنا اليوم مع حضراتكم في العلامات الصغرى في العناصر التالية :

 أولاً: الساعة آتية لاريب فيها

 ثانياً: العلامات الصغرى التي وقعت وانقضت

 ثالثاً: العلامات الصغرى التي وقعت ولم تنقضِ

 رابعاً: العلامات الصغرى التي لم تقع بعد

 فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب، واللـه أسأل أن يجعلني وإياكم جميعا ممن:  الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللـه وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ       [الزمر:18].

 أولاً: الساعة آتية لا ريب فيها:

 أحبتي في اللـه:

 إن الحديث عن اليوم الآخر ليس من باب الترف العلمي ولا من باب الثقافة الذهنية الباردة التي لا تتعامل إلاَّ مع العقول فحسب، بل إن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان باللـه جل وعلا لا يصح إيمان العبد إلا به أصلا وابتداءً، كما في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب وفيه أن جبريل عليه السلام سأل الحبيب المصطفى  ما الإيمان؟ فقال الحبيب : ((الإيمان أن تؤمن باللـه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره)) .

 لا يمكن أن يستقر الإيمان باليوم الآخر في قلب عبد من العباد إلا إذا وقف على حقيقة هذا اليوم وعرف أحواله وكروبه وأهواله.

 ومن ناحية ثالثة إذا استقرت حقيقة الإيمان باليوم الآخر في قلب عبد صادق، دفعه هذا العلم بهذا اليوم إلى الاستقامة على منهج اللـه وعلى طريق الحبيب رسول اللـه ، لأنه سيعلم يقينا أنه غدا سيقف بين يدى اللـه جل وعلا ليكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ليقول له الملك:  اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الَيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا  [الإسراء:14].

  فالهدف من هذه السلسلة تذكير المسلمين للاستيقاظ من غفلتهم ورقدتهم الطويلة، وإيقاظ المسلمين بالتوبة والإنابة إلى اللـه جل و علا قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.

 أيها المسلمون قال اللـه جل وعلا:  ذَلِكَ بِأَنَّ اللـه هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللـه يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ    [الحج:6-7].

 وإذا كان البشر يرون الساعة بعيدة فإن خالق البشر يرى الساعة قريبة قال جل وعلا:  إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا  [ المعارج: 6- 10].

وقال سبحانه:  اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ  [القمر:1].

 وقال جل وعلا:  أَتَى أَمْرُ اللـه فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ  [النحل:1].

 وقال سبحانه:   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللـه إِنَّ اللـه خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ  [الحشر:18].

 أما عن وقت قيام الساعة فإن هذا من خصائص علم اللـه جل وعلا لا يعلم وقت قيام الساعة ملك مقرب أو نبي مرسل.

 قال سبحانه في سورة الأعراف:  يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرض لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللـه وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ  [الأعراف:187].

 وقال سبحانه في سورة الأحزاب:  يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللـه وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا  [ الأحزاب: 63 ].

 وقال سبحانه في سورة النازعات:  يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا  [النازعات:42-46].

 فلا يعلم وقت قيام الساعة إلا اللـه.

 إن جبريل عليه السلام هو أعلى الملائكة ومحمد  هو أعلى الخلق منزلة ومع ذلك جاء جبريل إلى النبي  فقال له: متى الساعة؟

 فقال المصطفى : ما المسئول عنها بأعلم من السائل!! وهو جبريل والمسئول هو البشير النذير، لا يعلمان وقت قيام الساعة…  أفيتجرأ عاقل بعد ذلك ليقول بأنه على علم بوقت قيام الساعة. في صحيح البخاري من حديث ابن عمر أن النبي  قال: ((مفاتح الغيب خمس لايعلمهن إلا اللـه وتلى النبي  قول اللـه تعالى:  إِنَّ اللـه عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللـه عَلِيمٌ خَبِيرٌ  [لقمان:34].

 وإذا كان اللـه عز وجل قد أخفى وقت قيام الساعة، فقد أخبر سبحانه وتعالى ببعض العلامات والأمارات التي تكون بين يدي الساعة، لينتبه الخلق بالإنابة والتوبة إلى اللـه جل وعلا، وقد سمى القرآن هذه العلامات والأمارات بالأشراط فقال سبحانه:  فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا  [محمد:18].

 أي فقد جاءت علاماتها وأماراتها وهاأنا ذا أقسم العلامات إلى ثلاثة أقسام:

 أولا: علامات صغرى وقعت وانتهت.

 ثانيا: علامات صغرى وقعت ولم تنقضِ مازالت مستمرة.

 ثالثا: علامات صغرى لم تـقع بعد.

 أولا: علامات صغرى وقعت وانتهت.

 وأول هذه العلامات بعثة الحبيب المصطفى .

  ففـي الصحيحين أنه  قال: ((بعثـت أنـا والساعـة كهاتيـن وأشـار بالسبابة والوسطى))([1]) فبعثة النبي  علامة صغرى وموت النبي  أيضا وكلاهما مضيتا.

 كما في صحيح البخاري من حديث عوف بن مالك قال: ((أعدد ستاً بين يدى الساعة…)) ([2]) وذكر النبي  أولها موته .

 ومن هذه العلامات الصغرى أيضا التي وقعت وانقضت انشقاق القمر قال سبحانه:  اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ ، وقد وردت الأحاديث الكثيرة الصحيحة عن رسول اللـه  رواها الإمام مسلم  في صحيحه أذكر حضراتكم بحديث واحد من هذه الأحاديث.

 من حديث أنس   قال: طلب أهل مكة من رسول اللـه  أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر.

 فقال: ((ماذا تريدون؟))، قالوا: نريد أن تشق لنا القمر في السماء نصفين فسأل الحبيب  ربه فاستجاب اللـه للمصطفى  وشق له القمر في السماء نصفين فقال المصطفى : ((اشهدوا.. اشهدوا))([3]). ومع ذلك أنكروا وأعرضوا وقالوا: سحر مستمر.

 ومن هذه العلامات الصغرى أيضا خروج نار في أرض الحجاز روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللـه : ((لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببُصْرَى))([4]).

 وبُصْرَى بلد تسمى حوران في ديار الشام، ولقد وقعت هذه الآية بمثل ما حَدَّث الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.

 قال الإمام القرطبي في التذكرة: ولقد وقعت هذه الآية بمثل ما حدث الصادق المصدوق . ففي يوم الأربعاء في الثالث من شهر جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة خرجت نار من أرض الحجاز كانت لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته رآها من أرض الحجاز جميع أهل الشام.

 ثانياً: العلامات الصغرى التي وقعت ومازالت مستمرة لم تنقض بعد، جاء في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان  قال: ((قام فينا رسول اللـه  مقاماً ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حَدَّث به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه ))([5]).

 أخبر النبي  بالفتن التي ستقع وقال كما في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة وغيره قال : ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا))([6]).

 فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل على الإيمان فلا يأتى الليل عليه إلا وقد كفر بالرحيم الرحمن!

  ويمسي على الإيمان فلا يأتى الصباح عليه إلا وقد كفر بالله عز وجل!!

 ومن الفتن التي يتعرض لها المسلم اليوم فتنة الغربة: فالمسلم الصادق يعيش الآن فتنة قاسية ألا وهي فتنة الغربة قال الحبيب  كما في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة: ((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء))([7]).

 فأهل الغربة الآن يفرون بدينهم من الفتن بل لقد روى الترمذي في سننه بسند حسن أن النبي صلى اللـه عليه وآله وسلم قال: ((سيأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على جمر بين يديه((

 ومن الفتن التي تعرض لها المسلم فتنة الشهوات: وفي الصحيحيـن مـن حديـث المسـور بـن مخرمة أنه قال: قال المصطفى : ((فواللـه ما الفقـر أخشـى عليكـم ولكنـي أخشـى أن تبسط عليكم الدنيـا فتنـافسـوهـا كما تنافس فيها من كان قبلكم فتهلككم كما أهلكتهـم))([8]).

 إذ يرى المسلم واقع أمته مرُُ أليم في الوقت الذي يرى فيه أمم الكفر ودول الكفر قد قفزت قفزات سريعة جدا في عالم الحضارة والرقي والتطور والمدنية.  فينظر المسلم الشاب الغيور إلى واقع الأمة فيرى الأمة ذليلة كسيرة مبعثرة كالغنم في الليلة الشاتية الممطرة، وتعصف الفتنة بقلبه ويتساءل مع نفسه أهذه هي الأمة التي دستورها هو القرآن ونبيها محمد عليه الصلاة والسلام وربها هو الرحيم الرحمن، ما الذي بدل عزها إلى ذل؟! ما الذي غير علمها إلى جهل؟! ما الذي حول قوتها إلى ضعف وهوان؟!

  وهناك فتنة الأولاد وفتنة الزوجات قال جل وعلا:  إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَولادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحذَرُوهُمْ  [التغابن:14].

 فتـن كثيـرة  قـال المصطفى  كمـا في الصحيحيـن مـن حديـث أنـس قال : ((إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال وتكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد))([9]).

 بل لقد ورد في سنن الترمذي بسند صحيح أن النبي  قـال: ((يتقارب الزمان بين يدي الساعة فتكون السنة كالشهر ويكون الشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كاحتراق السعفة))([10]) احتراق جريدة من النخيل.

 ومن علامات الساعة الصغرى التي وقعت ولم تنقض إسناد الأمر إلى غير أهله.

 ففـي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة : أن أعرابيا دخل على النبي  وهو يحدث الناس فقال الأعرابي: يا رسول اللـه متى الساعة؟ فمضى النبي  في حديثه ولم يجب الأعرابي على سؤاله فلما أنهى النبي  حديثه قال: ((أين السائل عن الساعة آنفا؟)).. فقال الأعرابى: ها أنا ذا يا رسول اللـه. قال: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)). فقال الأعرابي الفقيه: وكيف إضاعتها يا رسول اللـه؟ قال: ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ))([11]).

 تدبر معي حديث النبي  الذي رواه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة قال : ((سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذَّب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويُخَوَّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة)) قيل من الرويبضة يا رسول اللـه؟ قال: ((الرجل التافه يتكلم في أمر العام)).

 ومنها تداعي الأمم على أمة الحبيب المحبوب ، ففي الحديث الذي رواه أبو داود من حديث ثوبان وهو حديث صحيح بمجموع طرقه أنه  قال: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها))  قالوا أو من قلة نحن يومئذ يا رسول اللـه؟ قال: ((كلا.. إنكم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل… وليوشكن اللـه أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم وليقذفن في قلوبكم الوهن)) قيل: وما الوهن يا رسول اللـه؟ قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت))([12]).

 واقع نعيش فيه.. واقع تحياه الأمة !! تداعت أذل أمم الأرض من اليهود ومن عباد البقر و الملحدين على أمة الإسلام في كل مكان، وطمع في الأمة الذليل قبل العزيز، والضعيف قبل القوى، والقاصي قبل الداني، وأصبحت الأمة قصعة مستباحة لأمم الأرض!!

 ومن العلامات: كما في الحديث الذي رواه أحمد والطبراني في الكبير بسند صحيح من حديث أبي أمامة رضي اللـه عنه أنه  قال: ((بين يدي الساعة رجال معهم سياط كأنها أذناب البقر يغدون في سخط الله ويروحون في غضب اللـه))([13]).

 وفى صحيـح الإمـام مسـلم مـن حديـث أبي هريرة  قال المصطفى : ((صنفان من أهل النار لم أرهما رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسمنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))([14]).

 أيها الأحبة الكرام لا أريد أن أطيل عليكم أكثر من ذلك، وأرجيء الحديث عن العلامات الصغرى التي لم تقع بعد إلى ما بعد جلسة الاستراحة. واللـه أسأل أن يجعلني وإياكم جميعا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

أقول قولي هذا وأستغفر اللـه لى ولكم

 الخطبة الثانية

 الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله اللـهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

 أما بعـد:

 ثالثاً: علامات صغرى لم تقع بــعد

 من هذه العلامات التي أخبر عنها النبي ولم تقع ما رواه البخاري ومسلم أنه صلى اللـه عليه وآله وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض حتى يخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها))([1]).

 من أهل العلم من قال: إن هذا قد وقع على عهد عمر بن عبد العزيز رضي اللـه عنه.

 ومن العلامات التي لم تظهر ما أخبر عنه الصادق المصدوق كما جاء في البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة رضي اللـه عنه قال: قال رسول اللـه : ((لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، فيقول كل رجل منهم: لعلى أكون أنا الذي أنجو((

 وفى رواية قال : ((يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً))([2]).

 ومن العلامات أيضاً التي لم تظهر بعد: ظهور المهدي رضي اللـه عنه فعن عبد اللـه بن مسعود رضي اللـه عنه قال: قال رسول اللـه  : ((لـو لـم يبـق مـن الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللـه ذلك اليـوم حتـى يبعـث اللـه فيه رجلاً منى – أو من أهل بيتي – يواطيئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبـي يملأ الأرض قسطاً وعـدلاً كمـا ملئـت ظلماً وجوراً))([3]).

 يخرج هذا الرجل يؤيد اللـه به الدين يملك سبع سنين ([4]) يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً تنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قط، تخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويعطى المال بغير عدد.

 قال ابن كثير: في زمانه تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر، والسلطان قاهر، والدين قائم، والعدد راغم، والخير في أيامه دائم.أ.هـ([5]).

 وقد تواترت الأحاديث في المهدي تواتراً معنوياً، وقد نص على ذلك الأئمة والعلماء.

 ونكتفي بذلك القدر ونسأل اللـه أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض إنه ولي ذلك والقادر عليه.

————————————————————————–

([1]) رواه البخارى رقم (6503) في الرقاق ، باب قول النبي صلى اللـه عليه وسلم : ((بعثت أنا والساعة كهاتين))  ومسلم رقم (2950) في الفتن ، باب قرب الساعة .

 ([2]) أخرجه البخارى رقم (3176) في الجهاد ، باب مايحذر من الغدر .

 ([3]) رواه مسلم رقم (2800) في صفات المنافقين ، باب انشقاق القمر .

 ([4]) رواه البخـارى رقم (7118) في الفتن ، باب خروج النار ، ومسلم رقم (2902) في الفتن ، باب لا تقوم االساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز .

 ([5] ) رواه مسلم رقم (2891) في الفتن وأشراط الساعة ، باب إخبار النبي صلى اللـه عليه وسلم فيما يكون.

 ([6] ) رواه مسلم رقم (118) في الإيمان ، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن والترمذى رقم  (3196) في الفتن .

 ([7] ) رواه مسلم رقم (145) في الإيمان ، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً .

 ([8]) أخرجه البخارى رقم (6425) في الرقاق ، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها ، ومسلم رقم (2961) في الرقاق ، والترمذى رقم (2464) في صفة القيامة.

 ([9]) رواه البخارى رقم (80 ، 81) ، في العلم ، باب رفع العلم وظهور الجهل ، ومسلم رقم (2671) ، والترمذى رقم (2301) ، وابن ماجة (40405) .

 ([10]) رواه الترمذى رقم (2434) وصححه شيخنا الألبانى في المشكاة (5389) .

 ([11]) رواه البخارى رقم (59) في العلم ، باب من سئل علماً وهو مشتغل في حديثة فأتم الحديث ثم أجاب السائل .

 ([12]) رواه أبو داود رقم (4297) في الملاحم ، باب تداعى الأمم على الإسلام وفي سنده أبو عبد السلام صالح بن رستم الهاشمى ، وهو مجهول لكن قد رواه أحمد رقم (22296) من طريق آخر بسند قوى وصححه شيخنا الألبانى في الصحيحة رقم (956) .

 ([13]) رواه مسلم رقم (2857) في الجنة ، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء.

 ([14]) رواه مسلم رقم (2128) في الجنة ، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء.

 =================================

([1]) رواه البخارى رقم (7121) في الفتن ، باب خروج النار ، ومسلم رقم (157) في الزكاة ، باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها.

 ([2]) رواه البخارى رقم (7119) في الفتن ، باب خروج النار ، ومسلم رقم (2894) في الفتن باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب ، وأبو داود رقم (4313:4314) في الملاحم ، والترمذى رقم (2572 : 2573) في صفة الجنة .

 ([3]) رواه أبو داود رقم (4282) في المهدى ، والترمذى رقم (2231 : 2232) في الفتن باب ما جاء في المهدى وقال : هذا حديث حسن صحيح وهو كما قال .

 ([4]) رواه أبو داود رقم (4265) في المهدى ، والحاكم في المستدرك (4/ 557) وحسنه الألبانى في صحيح الجامع رقم (6612) .

 ([5]) النهاية في الفتن والملاحم .

من فضلك إذا كان هذا الملف لا يعمل اضغط هنا 

لا تستهينوا بأعراض المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ

الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ (عِنْدَ اللهِ) مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً”. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ،

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ

الرَّجُلِ المُسْلِم”. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “أَتَدْرُونَ مَا الغِيبَة؟”

قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمْ. قَالَ: “ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَه”، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: “إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ،

فَقَدِ اغْتَبْتَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ، فَقدْ بَهَتَّهُ”. وَقَالَ تَعَالَى: “وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا

فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ” {الحجرات/12} الحديث الأول: أخرجه أحمد (5/225 ، رقم 22007) ،

والدارقطني (3/16) ، والطبراني كما فى مجمع الزوائد (4/117) قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني فى الكبير

والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح . والضياء (9/267 ، رقم 229) . وأخرجه أيضًا : ابن أبي عاصم فى الآحاد والمثانى

(5/229 ، رقم 2759) ، والبزار (8/309 ، رقم 3381) ، وابن قانع (2/91). وصححه الألباني في ” السلسلة الصحيحة ”

(3 / 29). الحديث الثاني: أخرجه الحاكم (2/43 ، رقم 2259) وقال: صحيح على شرط الشيخين. والبيهقي فى شعب

الإيمان (4/394 ، رقم 5519). وصححه الألباني في الترغيب والترهيب (3/50). الحديث الثالث: أخرجه أحمد

(2/384 ، رقم 8973) ،

ومسلم (4/2001 ، رقم 2589) ، وأبو داود (4/269 ، رقم 4874) ، والترمذي (4/329 ، رقم 1934) ،

وقال : حسن صحيح . وأخرجه أيضًا : الدارمي (2/387 ، رقم 2714) والنسائي فى الكبرى (6/467 ، رقم 11518)

، وابن حبان (13/72 ، رقم 5759) ، وأبو يعلى (11/378 ، رقم 6493). بهته: أي كذبت وافتريت عليه. تدل الأحاديث ع

لى أن استطالة الرجل في عرض أخير أكبر درجات الربا الذي هو حرب من الله ورسوله والعبرة لأولي الألباب!